دوّن لنا صلاح موصللي: عن المجتمع، الاقتصاد، وريادة الأعمال
خلال الأعوام العشرة الماضية، كان لي تجارب مختلفة وعلاقات متعددة مع ريادة الأعمال، سواء عبر التطوع في برامج ومشاريع محلية ودولية، العمل في مجال ريادة الأعمال والشباب، عشرات المسابقات والتدريبات، تأسيس مشروعين ناشئين، وإعداد بحثي للماجستير في هذا المجال.
في كل تلك المراحل، كنت أحاول دائماً البحث عن سبب عدم قدرة المبادرات المتعددة على بناء ثقافة محلية لريادة الأعمال. وإذا كانت الحرب والظروف الاقتصادية المتردية سبباً مقنعاً لفشل معظم المشاريع، فهي لا تفسر عدم وجود ثقافة محلية حول ريادة الأعمال حتى اليوم.
وخلال مراجعتي لأبحاث مختلفة في ريادة الأعمال، لفت انتباهي الدور الذي يلعبه المجتمع في بناء هذه الثقافة، سواء بشكله الجمعي (المجتمع ككل)، أو المركز (أي التجمعات المهنية بريادة الأعمال). وفي الواقع، تشير الأرقام والدلائل في دول العالم المختلفة إلى أن النشاط الريادي يعاني بشكل كبير في الدول التي تنتقل من نظام اقتصادي اشتراكي إلى نظام رأسمالي، كدول أوربا الشرقية والصين مثلاً، حيث تعاني من ثقافة مجتمعية معادية لريادة الأعمال،
أي لا تشجع أفرادها على المخاطرة، وتنظر إلى عملية تأسيس المشروعات والسعي لتعظيم الثروة وتنمية النشاط التجاري على أنها أعمال فردانية ذات طابع جشع. ورغم سعي حكومات هذه الدول لتعزيز ثقافة ريادة الأعمال في العقدين الأخيرين، إلا أن هذا الموروث الثقافي لا يزال عبئاً يثقل كاهل الخطط التنموية لتطوير النظام البيئي الريادي.
في سورية، يمكننا إجراء مراجعة بالنظر للخطة الخمسية العاشرة التي انطلقت في العام 2006، وأعلنت انتقال سورية من مرحلة الاقتصاد الاشتراكي إلى مرحلة السوق المشترك، وهو انتقال فتح الباب لتغييرات تشريعية وتنفيذية متعددة في مجالات الاقتصاد والاستثمار والخصخصة، وترافق مع نشاط على المستويات الحكومية والأهلية لتفعيل وتنشيط ريادة الأعمال في سورية. ورغم الكم الكبير في البرامج التي تم تنفيذها، بقي الموروث الثقافي عائقاً أمام انتقال ثقافي لدعم ريادة الأعمال، خصوصاً بظل التركيبة الاجتماعية في سورية والتي تقوم علي الترابط الأسري الشديد، ما يحد من استقلالية الفرد ويصعب عليه سلوك طريق مختلف او محفوف بالمخاطر.
اليوم وبعد 10 سنوات من الحرب، لا تزال المنظمات والبرامج تحاول ترسيخ ريادة الأعمال بالطريقة القديمة نفسها، محاولة نقل تجارب دولية ناجحة بدون النظر لخصوصية المجتمع السوري.
ففي مجتمع يعرف القيمة على أنها قيم أخلاقية فحسب (الشجاعة والكرامة والنبل)، من الصعب مناقشة نموذج العمل التجاري والقيم التجارية التي يقمها المشروع (كالخصوصي والسرعة وسهولة الاستخدام)، بدون البدء أولاً بوضع أسس لهذه الثقافة تكون نواتها مجموعات المهتمين بريادة الأعمال من عاملين في مجال التكنولوجيا والأعمال إلى الطلاب والباحثين وغيرهم.
ولعل التحدي الأكبر اليوم هو بناء هذا المجتمع، ففي كل يوم أمر ببرامج حوارية وملتقيات تجمع رواد أعمال سوريين من شتى أصقاع الأرض، ويندر لي بالمقابل أن أرى هذه المجتمعات في سورية، رغم وجود العديد من الناشطين في هذا المجال. نحن اليوم بحاجة لبناء حركة ثقافية اجتماعية مختصة بريادة الأعمال في سورية، ليس حباً بالنشاط الريادي، ولكن لأن هذا الطريق هو حتمي لنا لعلاج تحديات التنمية التي تضاعفت خلال العقد الماضي، ومدخل لعلاج تحدياتنا الاقتصادية والاجتماعية. السياسية.
صلاح موصللي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق