عن الزكاة، صدر عن المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف


عن الزكاة، صدر عن المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف:
بيان وتذكير وفتوى (8)
تاريخ : ١٣ / شعبان / ١٤٤٢ هجري / الموافق ٢٧/ آذار / ٢٠٢١م
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران :138)
قال الله تعالى ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران : 133-134)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إنَّ سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة . (أخرجه الترمذي)
نظراً للظروف التي تمرّ بها البلاد من حصار اقتصادي، واحتلال لمنابع النفط ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الشمال والشرق السوري ، مما أدّى إلى أزمة في الاقتصادي ، وارتفاع في الأسعار، ومع اقتراب شهر الخير، شهر رمضان المبارك.
فإنَّ المجلس يذكّر الإخوة الأغنياء من أصحاب اليسر والسعة والسادة التجار والصناعيين وأصحاب الأموال ورجال الأعمال ، بالمعاني الإيمانية الآتية :
• إنَّ الزكاة ركن أساسي من أركان الإسلام ، وشعيرة من شعائره التعبدية ، وقنطرة الإحسان ، تطهر القلوب من الشحّ ، والصدور من الحقد والغلّ ، وتهذّب النفوس ، فقال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة (103)
• إنَّ الزكاة يتقرب بها العبد إلى ربه ، ويصل بها الفقراء والأيتام سواء أكانوا من أقاربه أم من غيرهم ، ويقدّم من خلالها حق المسكين والجار والسائل ، ويحقق بها التكافل فيما بينهما تخفيفاً على الفقراء في هذه الظروف الصعبة ،
كما في الحديث الشريف : أنَّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتُردُّ على فقرائهم" (أخرجه البخاري)
• إنَّ الزكاة ليست هي منَّة ، ولا عطاء من الغني للفقير ، وإنما هي حق مستردّ من أموال الأغنياء للفقراء ، لقوله تعالى : ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) الذاريات : (19)
• إنَّ أهمية الزكاة ومكانتها ، وضرورة إخراجها ، تتجلى في أمور كثيرة منها :
- موقف الصدِّيق سيدنا أبي بكر رضي الله عنه حينما قال : " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛لأنها قرينتها في كتاب الله ، فإن الزكاة حق المال"(متفق عليه)
- وقول سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :ألا إنَّا ندعوكم إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلى جهاد عدوه ، والشدة في أمره ، وابتغاء مرضاته ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان.
• إنَّ منع الزكاة ، والتقصير في أدائها ، يعود على الأفراد والمجتمع بآثار وخيمة للحديث الشريف " ما منع الأغنياء زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطْر من السماء " (أخرجه ابن ماجة)
• إن إخراج ( 2.5%) زكاة للأموال والعروض التجارية ، وحلي المرأة ، يعالج حالة الفقر ويخفف من أعباء المحتاجين والمساكين وهذا أمرٌ لا رأيٌ فيه ، وهو مقطوع به في شريعتنا الغراء ..
- كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) المعارج : ( 24-25) ،
- ولما ذكره النبي محمد صلى الله عليه وسلم " أنَّ الله فرض في أموال الأغنياء ما يسع الفقراء "
آيها الأغنياء الموسرون:
• إنَّ الله سبحانه وتعالى افترض عليكم صدقة في أموالكم ، تعطى لفقرائكم من المساكين ، والأرامل الضعفاء ، وتكون تلبية لحاجاتهم ، و تحقيقاً لرغباتهم ، ودفعاً للفقرعنهم ، فقال تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ) التوبة (60)
آيها المزكّون :
• إنَّ مثَلَ المتصدّق مثَل الزارع ، الذي تكون أرضه عامرة فيكون الزرع فيها أكثر، فكذلك المتصدق إذا كان يضع ماله الطيب موضعه فإنه يصير ثوابه أكثر، فقال تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (البقرة:261)
• ولمَا جاء عن نبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال" : ما نقص مال من صدقة ".(أخرجه أحمد)
• وفي عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه أصاب الناس جفاف وجوع شديدان، وضاق بهم الأمر وقد أتت من الشّام إلى المدينة قافلة جمالٍ لعثمان بن عفّان رضي الله عنه فلمّا وصلت خرج النّاس يستقبلونها، فإذا هي ألف جَمَل محملة سمناً وزيتاً ودقيقاً، وتوقّفت عند باب عثمان رضي الله عنه فلمّا أنزلت أحمالها في داره جاء التجار. قال لهم عثمان رضي الله عنه ماذا تريدون؟ أجاب التجار: إنّك تعلم ما نريد، بعنا من هذا الذي وصل إليك فإنّك تعرف حاجة النّاس إليه. قال عثمان رضي الله عنه : كم أربح على الثّمن الذي اشتريت به؟ قالوا: الدّرهم درهمين. قال: أعطاني غيركم زيادة على هذا. قالوا: أربعة! قال عثمان رضي الله عنه : أعطاني غيركم أكثر. قال التّجار: نربحك خمسة. قال عثمان: أعطاني غيركم أكثر. فقالوا: ليس في المدينة تجار غيرنا، ولم يسبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطينا؟! قال عثمان رضي الله عنه : إنَّ الله قد أعطاني بكل درهم عشرة، الحسنة بعشرة أمثالها، فهل عندكم زيادة؟ قالوا: لا. قال عثمان رضي الله عنه : فإنِّي أشهد الله أَنَّي جعلت ما جاءت به هذه الجمال صدقة للمساكين وفقراء المسلمين. ثم أخذ عثمان بن عفان رضي الله عنه يوزّع بضاعته، فما بقي من فقراء المدينة واحد إلاّ أخذ ما يكفيه ويكفي أهله.
آيها التجار الأبرار:
اعلموا أنّ التاجر الصدوق الأمين الذي يحصّن ماله بالزكاة ، ويداوي مريضه بالصدقة ، وينصح في بيعه وشرائه ، فإن جزاءه من الله عظيم :
• يحشر يوم القيامة تحت ظل العرش مع النبيين والصديقين والشهداء ، جزاء على تعاونه مع الفقراء والمساكين ، ومواساته للمحتاجين ، ورحمته للأيتام ، وعنايته بالأرامل.
• ويُخلف الله عليه ما قدَّمه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً.(متفق عليه)
ولذلك ندعو التجار الكرام
أن يُقدِّموا زكاة أموالهم من بضائعهم
( الأغذية، والألبسة، والقرطاسية .. وكل ما يحتاجه الفقير )
مجاناً .. مجاناً
للفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمحتاجين
ويحتسب ذلك من قيمة الزكاة الواجبة عليهم
أيها المتصدقون الكرام إنَّ في المال حقاً سوى الزكاة :
في مثل هذه الأيام العصيبة التي تمرّ على بلادنا لا ينبغي أن يكتفي الأغنياء بدفع زكاة أموالهم الواجبة فقط ، بل لا بد من إخراج الصدقة رحمة وعوناً للفقراء :
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ في المال لحقاً سوى الزكاة " ، ثم تلا هذه الآية: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ( ، ثم قال تعالى: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (سورة البقرة (177) أخرجه الترمذي.
- وقد قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : إن الأشعريين - قبيلة من قبائل اليمن - إذا أَرْمَلُوا في الغزو، أو قلَّ طعام عِيَالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة، فهم مني وأنا منهم" (متفق عليه)
يا أصحاب العطاء والإنفاق :
بمقدارما يكون لكم المساهمة في أسواق رمضان الخيرية لبيع منتجاتكم بأقل الأسعارأوالمشاركة في أبواب الخير الواسعة أوالإعتناء بمجالات مصارف الزكاة المتعددة ، يكون لكم من شرعنا الحنيف بشائر تشرح صدوركم ، ودلائل تزيد من عطائكم في سبيل الخير والبركة للبلاد والعباد :
• فلا ننسى أن نذكر بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: " أنّ من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" 0 (أخرجه الترمذي)
• ونذ كّر أنّ كل من قدّم صدقةً (مالاً أو بضاعة أو خفض أسعار بضائعه للمحتاجين) يدخل في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ": السَّاعِي على الأَرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كان أجره كالمُجَاهِدِ في سبيل الله، وكالقائم الذي لا يَفْتُرُ، وكالصائم الذي لا يُفْطِرُ " (متفق عليه)
• ونذكّر بقول سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه : إن الزكاة جعلت مع الصلاة
قربانا لأهل الاسلام ، فمن أعطاها طيب النفس بها ، فإنها تجعل له كفارة ، ومن النار حجازاً ووقاية.
• ونذكّر بعِظَم ثواب الصدقة :
- للحديث النبوي " ما مَدَّ غنيٌ يده بصدقة إلا أُلقيت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل " (أخرجه الطبراني)
- وأنَّ السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وعليها السلام دخل عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدها تجلو درهماً في يدها، فلمّا سألها عنه قالت : لأنّي قد نويتُ أنْ أتصدّق به، فقال لها: تصدَّقي به وهو على حاله، فقالت: أنا أعلم أنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد الفقير، أوفي يد المحتاج ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً"
وأخيراً :
يذكّر المجلس بأهل العفة والكرامة الذين يظهرون بمظهر الغنى وهم أحوج الناس
والذين قال الله تعالى فيهم :
(يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة (243-274)
والحمد لله رب العالمين – يارب نسألك الفرج للبلاد والعباد


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق