دوّن لنا صلاح موصللي: لماذا لاتزال التدريبات في ريادة الأعمال محدودة النتائج في سورية؟
عندما يتم الحديث عن ريادة الأعمال في المجتمعات الصناعية والمراكز التجارية المتقدمة، عادة ما تكون الأسئلة من قبيل "ما هي المشكلة التي يحلها منتجك؟"، أو "ما القيمة المضافة التي تقدمها؟"، وربما "ما هو نموذجك الربحي؟"،
بينما نجد الأسئلة الشائعة في أوساط ما يسمى ريادة الأعمال في مجتمعنا تأخذ شكل "متى تحقق نقطة التعادل؟"، و"حدثنا عن المزيج التسويقي"، وأحياناَ "هل لديك دراسة جدوى للمشروع؟"
لا أحاول القول أن الأسئلة في المجموعة الثانية هي غير هامة أو نافعة، فهي أساسية لدى دراسة تمويل أي مشروع، وتعتبر معياراً أساسياً في عمل المؤسسات بأحجامها المختلفة. المشكلة هي بأن هذه المجموعة تكون ذات قيمة محدودة في الواقع بالنسبة لمشروع ريادي أو شركة ناشئة، حيث يلعب الشك وعدم اليقين الدور الأكبر في توجيه المشروع وتغيير مساره، وحيث يجب أن تكون الأسئلة التي تركز علي العميل ومشكلته والقيمة المقدمة هي محط اهتمام رائد الأعمال.
في الواقع، من ميزات المشروعات الريادية عن تلك التقليدية، هي عوامل المخاطرة والاستجابة. يشير عامل المخاطرة إلى أن نشاط المشروع الريادي غير مضمون النتائج، فهو يطرح منتج مبتكر ضمن سوق جديد، ولا يوجد غالباً ما يكفي من المعلومات للتنبؤ بأداء هذا المنتج، كما لا يوجد ما يكفي من المعلومات لتقديم المنتج بشكله النهائي، ما يعني أن هناك متغيرات كثيرة ستواجه عمل المشروع، وستؤثر بشكل كبير على الدراسات المالية والتسويقية لدرجة كبيرة. هذا الشك يرتبط بمخاطرة مرتفعة للوصول إلى طرق مسدودة، ولكن يترافق أيضاً بفرص للنمو والتوسع وتحقيق أرباح استثنائية في حال النجاح.
العامل الآخر هو عامل الاستجابة، أي أن ريادة الأعمال تنطلق من حاجة معينة غير ملباة في المجتمع أو لدى المستهلك، وتحاول تقديم حل يستجيب لهذه الحاجة. ضمن هذا السياق، يكون من الضروري التركيز على دراسة الاحتياجات لدى العميل المستهدف، ومحاولة معرفة السمات الشخصية والاجتماعية وغيرها والتي يمكن أن تؤثر على توافق المنتج أو الحل المطلوب مع الاحتياج المستهدف، وتكون هذه العملية مستمرة طيلة المرحلة التأسيسية من نشاط المشروع الريادي، حيث من الممكن أن يمر المنتج بتغييرات متعددة ريثما نصل لأفضل شكل من التوافق مع السوق.
يتطلب النجاح في العاملين السابقين مهارات متقدمة لدى صاحب المشروع في مجالات التحليل، التفكير النقدي، الابتكار والتصميم، حل المشكلات واتخاذ القرار، وهي مهارات محدودة أساساً في مجتمعنا، وتتطلب مستوى عال من المرونة والاستقلالية والمنطق لدى صاحبها.
مع ذلك، لا تزال عشرات البرامج التدريبية التي تنطلق شهرياً على امتداد الجغرافيا السورية تضع تركيزها الرئيسي على التحليل المالي ودراسات الجدوى الاقتصادية وحسابات التكاليف المعقدة، والتي غالباً ما تكون عديمة القيمة في ظل التضخم شبه اليومي في البلاد، وغالباً ما يتم بناء هيكل التكاليف في هذه البرامج لتغطية أفضل أنواع الوجبات والقرطاسية وغيرها من الكماليات، فيما يكون الاهتمام الأقل باختيار المدربين وتصميم البرامج التدريبية وتطوير المواد التي تسهم في بناء عقلية ريادية بدلاً عن المشاريع المتكررة معدومة الأفق.
المطلوب اليوم هو نهضة حقيقية في تقديم البرامج الداعمة لريادة الأعمال، تبدأ ببناء وعي وفهم لدى القائمين على هذه البرامج، وإعادة هيكلة التدخلات وفق الأسس العلمية للتنمية الاقتصادية وبالاعتماد على الممارسات الناجحة في مجال ريادة الأعمال، مع تقييم الحاجات المعرفية والسلوكية للمجتمع السوري وتصميم منتجات تتناسب مع طبيعة المجتمع. فقط حينها، يمكن الحديث عن مخرجات برامج دعم الريادة، أما اليوم، فلعل المؤشر الأفضل هو الاعتماد على لغة الأسئلة نفسها، وتحليل جدوى هذه التدخلات، ونقاط تعادلها، وبالتأكيد قدرتها على تلبية احتياجات السوق.
صلاح موصللي
*انتظرونا مساء كل اثنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق