دوّن وسيم السخلة: عن تشوّه العمل المجتمعي في سورية
يتضح اليوم أن كثيرا من الناشطين المجتمعيين في سورية ممن نشطوا منذ بداية 2011 وماقبلها بسنوات قد تبدلت أدوارهم خلال السنتين الماضيتين .. أتحدث هنا عن أشخاص كانوا الرافعة الحقيقية للجهود المجتمعية
فيما أراه فإن السياقات التي فرضت على هؤلاء الناشطين والفرص الغير متكافئة ودخول السياسة في هذا المجال والتمويلات الهائلة الخارجية والواسطة في مقابل أوضاع اقتصادية سيئة للجميع جعلت من هؤلاء يسيرون باتجاهين الأول بحث عن وظيفة في منظمات دولية ولو كانت بقدرات اقل من قدراته والتزم بها بحثا عن راتبها فقط والآخرون عزفوا عن ذلك بشكل تام لصالح السفر أو الدراسة أو الملل والخيبات المتلاحقة ..
إن العشوائية التي تتحكم اليوم في عمل المنظمات والمبادرات خلقت فضاءات واسعة وأتاحت فرصا غير محسوبة استفادت منها أعداد هائلة .. والحديث هنا لا يقتصر على فرص اقتصادية بل يتعداه لفرص شخصية ودراسية وتدريبية وفرص للجوء والسفر وغيرها ..
كل هذا جعل من سلك العمل المجتمعي مشوها في مختلف الشرائح المجتمعي، فهو تارة متهم بالفساد المالي والاداري وتارة بارتباطه بأجندات سياسية وتارة دينية وطائفية وتارة لجهة الفساد الأخلاقي أيضا
الملح اليوم هو ضرورة انقاذ هذا الواقع واستثمار الفرص التي يتيحها .. بالدرجة الأولى فإن التقصير الأهم هو تقصير الحكومة بسن التشريعات الناظمة لذلك واستبدال قانون عمره أكثر من نصف قرن وضع في دولة لم تعد قانونيا ولا دستوريا موجودة اليوم وهي الجمهورية العربية المتحدة ..
الأجندات المختلفة للمؤسسات الحكومية وشبه للحكومية وحالة الصراع الخفي والتنافس السطحي خرب كل المرتكزات التي كان يمكن لها أن تكون مرتكزات نهضة حقيقية
فحدث أن منظمات سياسية باتت تبحث عن مخارج مجتمعية لعملها فقبلت أفكارا لا تتفق وهيكليتها فقط لأن تمويلات ضخمة ورائها، فيما خسرت جهات أخرى بنيتها التنموية لتنافس منظمات وتجمعات اغاثية وليدة .. فيما اعتقد رجال الأعمال أن الغسالة الأهم اليوم لأموالهم هي العمل المجتمعي
الأمر يزداد تعقيدا لجهة تكاثر الجهود المدنية وسهولة التأثير بها وجذبها بأي اتجاهات، فقط عليك ربط القصة بالتمويل والفرص الخارجية والداخلية للمتطوعين واذا لم يتم تنظيم ذلك فلا يمكن لأحد تخيل شبكات المصلحة والفساد التي ستجعل من أي محاولات لتفكيكها لاحقا محاولات غير مجدية بالمطلق وبالمناسبة هذه الشبكات بدأت تظهر للعلن وتتصلب
المنطقي أن تحسم الحكومة موقفها بشكل واضح من هذه الجهود وتنظم عمل مؤسساتها وما يرتبط بها من تجمعات ومنظمات .. فلا يصح اليوم اجبار كل صاحب مبادرة على ترخيصها كجمعية أو مؤسسة ولا يصح فتح المجال لبعض الأشخاص واطلاق أيديهم واغلاقه بوجه آخرين .. ولايصح ترك كل ذلك يمضي بعشوائية
من غير المعقول النظر للفساد في العمل المجتمعي على أنه جزء من الفساد في المجتمع وأنه حالة طبيعية لأننا بذلك نشوه ونسمح بتشويه كل هذه الجهود لسنوات مديدة، فيما علينا دعمها وتقويتها لأنها الموازي العملي لجهود الحكومة في المراحل القادمة وعليها تعويل كبير اقليمي ودولي
وسيم السخلة 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق