دوّن لنا همام دوبا من جديد حول: إنعدام الثقة
إن أخطر ما نواجهه اليوم على صعيد البُنى، أو لنقل ومن باب الدقة من أخطر الأشياء التي نواجهها، هي الحالة الشعبية التي تعبّر عن إنقطاع الثقة، أو فقدان نقاط الإتصال بالمؤسسات الحكومية، فباتت جميع تصريحات المسؤولين الحكوميين، التي تقبل الإستهزاء والتي لا تقبلها، موضعاً للإستهزاء والمبالغة فيه، فبات الفيسبوك يضجّ بعد كلّ تصريح يصدر من مسؤول حكومي، مهما على أو دنى مستوى مسؤوليته، بالمنشورات الساخرة والناقدة، وهذا إن دل، فيدل على مشكلتين رئيسيتين بنظري
أولها هو تأخّر الخطاب الإعلامي الحكومي العام الذي يناقش القضايا العامة، والخاص أيّ خطاب المؤسسات، عن مواكبة التطور الحاصل في العالم الإعلامي، كذا مقدرات المسؤولين المنخفضة في تقديم البيانات والتصريحات والأجوبة في المؤتمرات الصحفية، وكما نعرف أنّ الكلمة والرقم لهما تأثير أكبر من الحدث بحد ذاته، فهي إن لُعبت بمهارة، ترفع من قيمة الإنجاز، وتخفف من وطئ الإشكال
(نجد بعض التجارب التي نجحت بها بعض المؤسسات في تطوير أدائها الإعلامي، وذلك يتطلب تشجيع من الناس لتعمم التجربة)
فكما رأينا في البيان الحكومي، بيان خالٍ من الأهداف الملموسة التي يمكن للمواطنين أن يلمسوها، أن يقيّموها.
أمّا المشكلة الثانية، هي المواطنون بذواتهم، الذين إعتادوا على تفجير ضغوطاتهم على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، ورغبتهم بالحصول على النتائج دون معرفة العمليات التي تنتج هذه النتائج والعوائق التي تتخللها، والرفض المطلق لكل مبادرات الحكومة مهما كانت وأيّاً كان طرحها، لمجرد أنّها تصدر عن جهة حكومية، ولذلك أسباب كثيرة يشرحها علم الإجتماع بأنّها ناتجةٌ عن العجز وتخمة الأعباء والتفريغ بالسخرية والرفض
ترتبط كلا المشكلتين بوجهة نظري ببعضهما ارتباطاً عضوياً، فكلاهما يزيد من حدّة الأخر، فالمسؤولون باتوا يخافون من إدلاء التصريحات خشية أن تُساق بسياقات مختلفة عن المقصود، أو أن تقاد ضدّهم حملات تشهير وتنمّر
والمواطن يزداد إنقطاعاً عن مؤسساته، وتتعمّق قلّة ثقته بها، ويجد نفسه في كثير من الأحيان هائماً على وجهه بمواجهة الأحداث الاقتصادية والاجتماعية لقلّة المعلومات
كلا العاملين السابقين، فتحا باباً للشائعات، فيكفي اليوم أن تقوم صفحة تحوز من "اللايكات" ما تحوز، بنشر أيّ معلومة وتنسبها لأيّ جهة حكومية، حتّى تنتشر كالنار بالهشيم، ويأخذ بها المواطن على سبيل الحقيقة فوراً، وعندما يأتي النفي من الجهة المنسوب إليها، تذهب القضية لكن تبقى أثارها التي تتجلى بتعميق الهوّة بين الطرفين، فما زرعته تلك الإشاعة من غضب في نفس المواطن، لن يتبخّر مع تبخّر الإشاعة، بل سيتراكم لنستمر بالدوران في حلقة مفرغة من إنعدام الثقة
ماذا نفعل لأجل ذلك؟، حقيقةً أرى أنّه يمكننا فعل الكثير، كما تفعل المدوّنة على سبيل المثال بمبادرتها الوليدة #شيّك_بعدين_شيّر، يمكننا أن ننشر على صفحاتنا نفياً للشائعة، أن نكرّس فكرة التأكّد من المعلومة قبل نشرها، هذا من طرف
ومن طرف أخر علينا دعم التصريحات الجيّدة التي تدلي بها الحكومة، أو مؤسسات الدولة، وأن نستمر في نقدنا للتصريحات الغير منطقية، أو المؤذية فذلك من حقّنا
يوجد في القانون ما يسمّى التعسّف بإستخدام الحق، ويعني ذلك أنّ الحق، يفقد ماهيته إذا تعسّفنا في إستخدامه، فيتجرّد من قيمه السامية، ويصبح أداةً تخرج من بوتقة القداسة، تفعالوا نمارس حقوقنا كما هي، دون تعسّف

Homam Douba

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق