2015 كنت شاباً عاديّاً!




دوّن لنا ضياء البصير عن تجربته في تأسيس وإدارة مكتبة خواطر: 2015 كنت شاباً عاديّاً!

في هذا العام كنتُ شاباً عادياً يُمارسُ روتينه اليومي من دراسة وعمل، أدرسُ الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، وأعملُ مُوظفاً للمبيعات في شركة أديداس الرياضيّة، عند عودتي من العمل، بعد نهارٍ طويلٍ جداً من التعب، كنتُ أرفضُ النوم، أرفضه حتى أقرأ فصل كامل من رواية أو كتاب عندي، القراءة كانت واحدة من المُمارسات اليوميّة التي كانت "تُنعنش" حياتي، لا أجد مُصطلح أفضل لوصف تلك الحالة التي كنتُ أعيشها مع كُتبي المنزليّة أفضل من "النعنشة".

وهذا الحُب للكتب وللقراءة كان سبباً رئيسياً لكُل نجاح قد حصّلته في الفترة التالية، الحكاية باختصار: برنامج خواطر، البرنامج الشهير لمُقدمّه أحمد الشقيري، كان يعرض في واحدة من حلقاته الحُلوة تجربة أذكُر أنها ماليزيّة، شُبّان في ماليزيا يقومون بإنشاء مشروعهم بفكرته البسيطة "Delivery Book" توصيل الكُتب إلى ذوي الإحتياجات الخاصّة، سألت نفسي في لحظتها: «والشام؟ ليه ما فيها مكتبة بتقدر تُقدّم هي الخدمة، خدمة التوصيل، أكيد في عنّا ناس مشغولة، أشخاص مرضى، صعب ينزلوا يشتروا من المكتبات» وسألت: «يا ترا ايمتا بتصير هالخدمة عنّا؟ ما زال الأكل بيصل عالبيوت، لازم الكُتب كمان توصل» علم أخي بالأمر، فحرّضني أنا أن أقوم بهذا المشروع البسيط الجديد لما يعلم من حُب غير طبيعي منّي للكتب والقراءة ..

في البداية تلبّكت، كُنت أعرف أنّي لا أملك لا المهارة الكافية للإدارة ولا التمويل اللازم للبداية، لذلك بدأت أو قررت أن أبدأ من لا شيء، صفر خبرة، ومبلغ يكاد يكون مُضحكاً كتمويل: تناشر ألف ليرة سوريّة فقط، فتحنا الصفحة، أخبرنا الأصدقاء، كتبنا عن المشروع، صمّمنا الواجهة البصريّة بشكل متواضع جداً، وجلسنا نُراقب عدّاد الزوّار للصفحة كالأطفال تماماً، عشرين، تلاتين، أربعين، ستّين زائر والعدّاد في تصاعد دائم، خلال أيّام نفذنا أول طلب، وعدّاد المُتابعين يتصاعد لم نكن نعلم حينها أنّ الأفكار الجيّدة، الفكرة التي يحتاجها الناس، تُسوّق لنفسها بنفسها، بدأنا نشعر بأنّ الإقبال يزيد، تركت العمل في الشركة، وتفرّغت تماماً لعملي الصغير الجديد، في الصباح أُدير الصفحة من اللابتوب، أُنفّذ الطلبات وأتسوّق كُتب جديدة للعرض، وفي المساء أنكبُّ على التعلّم، مئات المواقع تعرض كورساتها بالمجان، تدرّبت وتعلّمت ما أحتاج، ورحت أبني مكتبتي الإلكترونيّة حجراً بحجر بالعلم والعمل.

هذا كله حدث في عام 2015، ولكن نحنُ اليوم في عام 2020، مكتبة خواطر التي اسميتها تيمُّناً ببرنامج خواطر الذي استلهمت منه الفكرة، اليوم صارت من أقوى مكتبات دمشق، بقاعدة شعبيّة ممتازة، 36 ألف مُتابع، بخدمة توصيل مُحترمة تصل لمُعظم مناطق دمشق، كُتب خواطر تصل أيضاً إلى كافّة المُحافظات السوريّة، وإلى شحن لمُعظم الدول في أنحاء العالم.

اليوم، أعتمد ماديّاً أنا وعدّة شُبّان على هذا المشروع كُليّاً، والفكرة التي بدأت بحُب الكُتب وبرنامج بسيط اليوم هي سبب في نجاح مشروع ربحي صغير لائق يحتاجه القارئ السوري بشدّة، اسمه (مكتبة خواطر). أنصحكم أقراني الشباب، لا تستخّفوا بهواياتكم، قد تكون مصدر دخلكم المستقبلي واحدة من هواياتكم، وأن لا تستخّفوا بالأفكار المُلقاة على قارعة الطريق، فقد تكون واحدة من هذه الأفكار هي الحجر المفقود الذي قد يُساهم في تطوير مستوى خدمي جديد في دمشق، والأهم أن لا تستخفّوا بمقدراتكم، فالمعرفة تراكميّة، لن يُولد الشخص عارف لكُل شيء، لكنّه من المؤكّد أنهُ يُولد قادراً على أن يعرف كُل شيء بالصبر

هي دعوة لعدم الاستخفاف بأيّ شيء، خذوا الأمور بجد، لا تهتمّوا بالمتشائمين والمُحبطين، فهم كُثر تعلّم وأعمل، نفّذ فوراً، جازف، غامر، جرّب، كُل ذلك مُهم في أي طريق تسلكه، ختاماً، ما زالت لديّ الكثير من الأفكار التي أُحب أن أنفّذها في الوطن، سوريا.
هذه البلاد على مرارة ما نعيش فيها، إلا أنّها وبنظرة مُغايرة للأمور، يتبيّن لنا أنها تُربة خصيبة ولكنّها شبه تخلو من الكثير من المشاريع الخدميّة البسيطة، هذه فُرصتنا، فُرصة الشباب، فإذا كُنّا سنعيش ونعيش في هذا الوطن، لماذا لا نعمل لنجعله وطناً مُريحاً وحُلواً.
قد يظن من يقرأ أنّ ما سطرته الآن في هذا المنشور هو محض يوتوبيا جميلة وتنظير فقط، لذلك أقول لكم الحق، الصدق أقول: هذا الكلام أعيشه أنا حالياً وأكتب لكي تشاركوني هذه التجربة في هذا الوطن.

Diaa Albasser 
مكتبة خواطر على فيسبوك

نشجّع في مدونة الشأن العام الأصدقاء والمتابعين على تدوين تجاربهم في الأعمال البسيطة التطوعية والربحيّة*

#أحلام_صغيرة




هناك تعليقان (2):