عن دير الزور والتنمية واللاعدالة
عن دير الزور والتنمية واللاعدالة، دوّن عبد الله الجدعان:
من النتائج بالغة الأهمية التي أفرزتها الحرب على سورية هي التغيير السكاني الواسع الذي حصل في مختلف المحافظات السورية ولا سيما تلك التي خرجت فيها المدن الرئيسية بكاملها أو بمعظمها عن سيطرة الدولة، مما أدى إلى توجه السكان بأعداد كبيرة بداية من الأرياف إلى المدن وتالياً من مدن إلى أخرى خارج محافظتهم هرباً من المعارك.
ودير الزور هي من أبرز المحافظات التي هُجِرَ عدد كبير من سكانها ريفاً ومدينة إلى عموم المناطق السورية لأن المعارك احتدمت فيها باكراً نظراً لقربها من الحدود العراقية والبادية المفتوحة.
اليوم وبعد حوالي العامين على استعادة السيطرة على معظم المحافظة بمدنها الرئيسية ( دير الزور - المياذين - البوكمال ) فإن الهجرة العكسية الطوعية إليها ما تزال ضعيفة وجزء كبير ممن عاد كان للالتحاق بوظيفته بعد إنهاء الحكومة لتحديد مراكز عملهم خارجها ، بل أن كثيراً منهم آثر تقديم استقالته على إجباره على العودة، كون بيوتهم قد دمرت أو أحيائهم غير قابلة للسكن لعدم توفر البنية التحتية أو حتى بسبب استملاكهم لعقارات خارج المدينة ولا سيما في دمشق وضواحيها.
المشكلة في ديرالزور ليست وليدة الحرب بل تعود إلى ما قبل ذلك بسنوات إن لم يكن عقود، فالشرق السوري وعاصمته على الرغم من أهميتها الاستراتيجية للاقتصاد السوري إلا أنها لم تكن أولوية الحكومات المتعاقبة والتنمية فيها كانت بطيئة و لا تتناسب مع سرعة النمو السكاني والتمدد العمراني والتغير المناخي، وهذا بدوره انعكس على المنطقة بشكل سلبي في منحيين :
الأول هو تحول عدد كبير من المزارعين عن الأعمال الزراعية و توجههم نحو الأعمال الحرة أو ترك مناطقهم والانتقال صوب المدينة طلباً للحياة الأفضل وهذا ما سبب تناقص المساحات المستثمرة في الزراعة واختناق المدن.
الثاني هو أن جزء من الجيل الجديد من التسعينيات وصعوداً بدأ ينظر إلى الدير كمسقط رأسه فقط إلا أنه يسعى جاهداً لكي يكون مجموعه في البكالوريا يؤهله للدراسة في جامعة أخرى غير الفرات أو يتخرج ومن ثم يسافر سعياً وراء المغريات التي توفرها دمشق او حلب او غيرها وتقل أو تنعدم في مدينته.
كما أن هناك شعور ظلم يرافق أبناء دير الزور والمنطقة الشرقية عموماً لكون مناطقهم تحتوي على الجزء الأكبر من الثروات ولا سيما القمح والنفط والغاز، واستفادتهم منها على صعيد الاهتمام الحكومي والتنمية لا يتناسب مع ما يستحقونه، ولم تنعكس على مستوى حياتهم والخدمات المقدمة لهم وتطوير البنية التحتية وإقامة المشاريع الحيوية في مدنهم وقراهم، حتى أن ذلك أدى إلى توسع الفجوة الاجتماعية والثقافية بينهم وبين باقي المحافظات وفي بعض الأحيان كانوا يتعرضون للوصم والتمييز نتيجة لذلك.
لا يمكن لما سبق أن يقدم صورة كاملة عن الأوضاع في ديرالزور ومحيطها ولا يمكن تعميم كل ما ورد على نمط الحياة هنالك كما لا يمكن إنكار الخطوات الحكومية الآن وسابقاً والتي أدت إلى انتعاش المنطقة اقتصادياً وبالتالي تحسن مستوى معيشة السكان، ولكن وكابن ديرالزور والمنطقة الشرقية أتمنى أن تكون الكارثة المستمرة منذ 2011 فرصة لتوجيه الأنظار لها والعمل قدر الإمكان على رفدها بمقومات تجعلها قادرة على استقطاب أبنائها من جديد.
أخبرونا أكثر عن رؤيتكم المستقبلية إن كان للمنطقة الشرقية أو لغيرها؟ وماهي أولويات مرحلة إعادة الإعمار فيها؟
Abdullah AL Jaddan
*اللوحة: وجوه، للفنان التشكيلي السوري نذير إسماعيل
#نقاشات_في_الشأن_العام
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق