خود وعطي، الرجل الغامض بسلامته





خود وعطي، دوّنت منى الصابوني:

الرجل الغامض بسلامته

رجل يجلس خلف مكتب خشبي وأمامه عدة أجهزة هاتفية ولوحة من المفاتيح المختلفة، يرفع سماعة ويعطي أوامر بقطع الماء عن منطقة ما.. ثم يضغط على مفتاح لقطع الكهرباء عن منطقة أخرى.. ثم يدير عجلة لإغلاقها بصعوبة وجهد شديدين فينقطع اتصال الإنترنت عن منطقة ثالثة.
أتبدو هذه اللوحة مألوفة؟

هي تماماً ما يُخيل إلى المواطن السوري عن الحكومة في بلده.. رجل خفي بيده كل شيء وهو الذي يقوم بكل شيء.
هذا ما نراه من خلال تعليقات بعض السوريين على صفحات المؤسسات الرسمية على فيسبوك.

فعندما تقوم الشركة السورية للاتصالات مثلاً بزيادة باقة الإنترنت بحجم خمسين بالمئة ترى البعض يعلقون "إي مو لتجيبولنا الغاز بالأول"، علماً أن ليس للمؤسسة ناقة ولا جمل في هذا الموضوع.
فمن هو هذا الرجل الخفي الذي يدير حياتنا من مكتب عالٍ في مبنى ما؟

في الحقيقة لا تغيب سبل التشريع وصياغة القوانين عن المنهاج الوطني المدرسي ولا تغيب التصريحات والخطابات عن الصحف وقنوات الإعلام الرسمية.
لكن لنحاول تصغير الحالة وتمثيلها بعائلة صغيرة يقوم فيها الوالدان بوضع القواعد المنزلية ونظام المكافآت والعقوبات لرعاية أبنائهم بالطريقة التي يرونها المثلى. ثم يتخذون الخطوات التي تحقق ذلك دون شرح مباشر للأطفال عن الأسباب والنتائج بل يكتفون بكتابة ذلك على ورقة وتثبيتها بواسطة مغناطيس على البراد ناسين أن الصغير من أطفالهم لا يستطيع القراءة وأن الكبير منهم لن يدفعه فضوله لقراءة ورقة على باب البراد!

فهنا تأتي أهمية الخطابات ولغتها ومكان نشرها لإعادة الثقة بين الطرفين، كما تأتي أهمية إرفاق هذه الخطابات بالصور والوثائق التي من شأنها إثبات صحة ما تتقدم به المؤسسة من معلومات. فاستمالة الرأي العام ليست بالأمر السهل وغالباً لا تنفع فيها استخدام الجمل الرنانة والشعارات الطنانة.. بالعكس نجد أن الناس يتأثرون بشكل أكبر مع قصة إنسانية يتعاطفون معها أو نكتة خفيفة يضحكون عليها.

ثم تأتي أهمية الاعتراف بالتقصير مع إيجاد حلول بديلة والالتزام بها.. فلا يمكنك أن تقطع وعداً على نفسك ثم لا تنفذه، وهنا لا ننصح بكثرة الوعود والعهود فتبدو على شكل إبرة بنج كبيرة تجهزها الحكومة لتعطيها للمواطن بالعضل!

ويليها أهمية الصبر ثم الصبر ثم الصبر حتى تعود للناس قدرتهم على تصديق نوايا وإجراءات الحكومة واستجابتها للواقع، وقد يحتاح الأمر إلى شهور وشهور طويلة، خاصة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي التي بات فيها للجميع منبراً ينشر فيه أفكاره وقد لا تكون جميع المنابر إيجابية!

وأخيراً تأتي أهمية اتخاذ إجراءات قانونية وملاحقة قضائية للأشخاص الذين يرمون الإشاعات هنا وهناك، ولكن هنا يجب الانتباه إلى ثلاث نقط: الأولى هي الانتظار حتى قرب انتهاء الأزمة وظهور النتائج المجدية، والثانية هي اختيار المعارك التي تود الحكومة خوضها، وألا تورط نفسها بملاحقة بعض البسطاء من الناس بل أن تختار معركة واحدة وأن تخوضها علناً فيرى الناس مواطن الضعف والقوة في استخدام الحقائق والمنطق، والثالثة ألا تكون هذه المعركة على شكل كم الأفواه أو إلغاء الآراء المختلفة للناس لكن على شكل توضيح الحقائق وإظهار الإثباتات والأدلة.

ننهي هذه التدوينة ببعض الاقتباسات من كتاب سرعة الثقة ل "ستيفن كوفي" التي يمكن من شأنها أن تعيد بناء الجسور بين الطرفين:
١. إن الفرق بين علاقة مفعمة الثقة وأخرى شحيحة الثقة هو فرق هائل! تأمل التواصل كمثال على ذلك. في علاقة عالية الثقة، يمكنك قول الشيء الخطأ، ويظل الناس يفهمون المعنى الذي تقصده. أما في علاقة لا تتمتع بكثير ثقة، فقد تكون محدداً ودقيقاً جداً في كلامك، ومع هذا يسيء الآخرون فهمك.
٢. من المهم أن نؤثر بشكل إيجابي على هذه الاستنتاجات التي يخرج بها الآخرون من خلال "التصريح بنوايانا".
٣. إن الذين تقودهم يريدون أن يعرفوا إلى أين تذهب. "كريستوفر، جالفين"
٤. إن أي مشروع يتصارع مع نفسه لا يتمتع بالقوة أو التركيز على البقاء والازدهار في أجواء الوقت الحالي التنافسية. "الأستاذ الجامعي جون أوه. ويتني"
٥. وعندما يعتقد القادة في الأساس أنه لا يمكن الوثوق في العاملين، فإنهم يضعون أنظمة وهياكل تعكس هذا الاعتقاد.
٦. إن الثقة الحقيقة ليست بسيطة إنها... تُكتسب من الأداء.
٧. من الأفضل أن يتبع المرء استراتيجية من الدرجة الثانية، ويقوم بالتنفيذ من الدرجة الأولى وليس العكس.

Mona Alsabouni

#مدونة_الشأن_العام_سورية
#خود_وعطي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق