من أين يبدأ التغيير؟
دوّن همام دوبا: من أين يبدأ التغيير؟
يدفع الكثير من المهتمين بالشأن العام إلى تغيير قوانين معينة تخص الإنتخابات وحقوق المرأة وغيرها من القوانين المرتبطة ارتباط مباشر بحقوق الإنسان وحرّياته، ومهما تطورت هذه القوانين يبقى لدى الكثير من الناس نقاط اعتراض عليها، وهذا شأن طبيعي جداً في كلّ المجتمعات التي تسعى إلى التطور دائماً، ويدفع الكثير من المواطنين إلى تفعيل أدوار مؤسسات معيّنة، أو تغيير بنيتها أو تطويرها فكيف يمكن لذلك أن يحدث!؟
صنّف ماركس القوانين ضمن البُنى الفوقيّة للمجتمع( تشمل الثقافة, المؤسسات، بنى السلطة السياسية، الأدوار الاجتماعية ) بينما صنّف علاقات الإنتاج ضمن البُنى التحتيّة( العامل مع رب العمل ورب العمل مع العامل، الحياة الإقتصادية وعلاقات الملكية، هذه العلاقات التي تحدد علاقات المجتمع وأفكاره وانظمته الاجتماعية)
والعلاقة بين البُنى الفوقية والبُنى التحتية هي علاقة سببية تجري في خطّ واحد، التغيّرات التراكمية في البُنى التحتيّة تولّد تغيّرات في البُنى الفوقيّة أيّ أنّ تغيير قانون ما، قانون الميراث على سبيل المثال، يحتاج تغيّرات في البُنى التحتيّة ( تغيير عادات الزواج من مهر وخلافه، التشارك في المصاريف الزوجية وتأسيس المنزل بين الرجل والمرأة، المساواة في الواجبات الاقتصادية..الخ)
ليأتي تغيّر القانون مُلبّياً لهذه التغيّرات، لا فارضاً لها، ففرض القوانين دون أسس اجتماعية تغيّر مراكز الأفراد في القضيّة المراد تغييرها، لا يُنتج أيّ تغيير حقيقي، فعلى سبيل المثال لا الحصر فرض غرامات كبيرة على حزام الأمان، لم يرسّخ ثقافة الإلتزام بحزام الأمان، ولا يمكن مهما كبر حجم الغرامة أن تصبح سلوكاً اجتماعياً إلّا إذا تم تغيير أذهان الناس وسلوكياتهم بالتوعية وغيرها من الطرق وعلى مدى اجيال، عندها يصبح تغيير القانون مُلبّياً لهذه التغيرات، لا العكس
وبنائاً على ما تقدّم، وفي سياق سوريّ متّصل ومع اقتراب موعد انتخابات مجلس الشعب السوري كونه أحد مؤسسات البُنى الفوقية، لابد لنا أن نُسقط هذا التنظير على هذا الاستحقاق، حيث يشكو معظم السوريين من عدم وجود دور حقيقي لمجلس الشعب، عن مرشحين يترشحون لاغراضهم الشخصية، عن برامج انتخابية شكلية، وبعض المرشحين لايطلّون علينا سوى بصورهم، فكيف نغيّر؟
وفقاً للنظريه أعلاه، فعلى هذا التغيير أن يبدأ من قاعدة الهرم، من المواطنين أنفسهم، فكيف نريد مجلس شعب فعّال ونحن لانعرف عن هذا المجلس وعن مهامه وكيفية الدخول إلى قبّته وعن لجانه وصلاحياته ودوائر الإنتخاب شيئاً!؟
إذاً الخطوة الأولى هي فهم العلاقة بين المواطن ومجلس الشعب، والعلاقة بين المجلس ومختلف المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذا الفهم لاينتج إلّا من خلال التثقيف الذي يجب على الناشطين والوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها القيام به، الخطوة الثانية تقع على عاتق المواطنين، كل المواطنين، بإدراك أهميّة أصواتهم، وتقديمها لمن يستحق فعلاً، لا من باب القرابة والمعرفة والوعود الشخصية!،
ومن ثم إجبار العضو المنتخب على التواصل الدائم مع منتخبيه، من خلال مجالس أو صفحات فيسبوك ليبقى العضو المنتخب تحت سلطة المواطن، وذلك قد يقابل ب"تطنيش" من قبل المرشح، إلّا أنّ إصرار الناخبين سيحدث فرقاً يشعره بالمسؤولية أو الضغط، والكثير من الخطوات التي علينا أن نتحمّل مسؤوليتها لنصلَ إلى مجلس شعب يمثّلنا، هذه التغيّرات في وعي المواطن ستؤدي حكماً إلى تغيّرات لاحقة في بُنى هذه المؤسسة، وفي نشاطها وفاعليتها، فكيف يكون مجلس الشعب فاعلاً إن لم تكن أصواتنا فاعلةً حقّاً!؟
#نقاشات_في_الشأن_العام
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق