كيف يمكن لمدينة حلب أن تصبح الوجهة الأولى لتكنولوجيا الويب في المنطقة؟
"كمبرمج وتقني متحمس، أشعر بالغيرة في كل مرة أتابع أو اشارك في مؤتمر تقني، و أتساءل صراحة! لماذا لا نقوم بفعل الشيئ ذاته في حلب؟.."
دوّن وليد شايب:
كيف يمكن لمدينة حلب أن تصبح الوجهة الأولى لتكنولوجيا الويب في المنطقة
كمبرمج وتقني متحمس، أشعر بالغيرة في كل مرة أتابع أو اشارك في مؤتمر تقني، و أتساءل صراحة! لماذا لا نقوم بفعل الشيئ ذاته في حلب؟ ما المانع من تنفيذ ملتقيات تقنية على مستوى كبير كـ تلك التي تحصل في بيروت سنوياً؟ ما الفرق بين المدينتين وماهي النقاط التي يمكن العمل عليها لجعل حلب على الخريطة التقنية للعالم هذه الأيام..
خلال السنوات الثلاثة الماضية بذلت الكثير من الجهد لفهم الفروقات والتعرف على المصطلحات والمفاهيم التي كنت اسمعها في المؤتمرات، مثل: ecosystem، smart cities, entrepreneurship, startup, the knowledge economy وغيرها. الطموح الذي امتلكته بعد التعرف على هذه المفاهيم تغير من “غيرة ورغبة بإقامة ملتقيات تقنية” إلى رؤيا وحماس كبير لجعل حلب وجهة أولى لتكنولوجيا الويب في المنطقة.
لكن لماذا هذه الرؤيا مهمة لـ حلب؟
تاريخ حلب حافل اقتصادياً، وهي العاصمة الاقتصادية لسوريا وهذا يعود إلى العقلية الموجودة في المدينة، عقلية العمل الجاد والمثابرة وهذا ماكان يجعل حلب تنبض حتى في أقسى وأصعب أحوالها وهو نفسه مايجعلها تتعافى اقتصادياً الآن بشكل أسرع من باقي المدن. الحفاظ على هذه العقلية مسؤولية كبيرة علينا تحملها نحن الجيل الجديد، ومواكبة العصر بها والحفاظ عليها كـ إرث حقيقي.
بملاحظة اقتصاد البلدان المجاورة لنا، وبالأخص تلك التي خرجت من حروب سواء في لبنان أو العراق نرى بوضوح انهيار للعملة، التضخم الاقتصادي، غزو للشركات العملاقة متعددة الجنسيات بالإضافة إلى الفساد الكبير، مماينعكس على الشباب بمثل أعمارنا بعدم القدرة على إيجاد فرص عمل، غلاء المعيشة، عدم القدرة على المنافسة، والرغبة الكبيرة بالإنسحاب والهجرة.. واعتقد أن حولنا الآن بدايات هكذا سيناريو وبحسبة سريعة بإمكاننا تخيل المستقبل الأسود الذي ينتظر الأجيال من بعدنا.
لكن ماهو الحل؟ هل تبني هكذا رؤيا مفيد؟
نعم، الاعتماد على اقتصاد المعرفة هو وصفة آمنة تساعد بخلق بيئة مرنة للأعمال، وفرص عمل للشباب وفرصة جوهرية للشباب بأعمارنا لإيجاد حلول وتنفيذها وخلق عمل حقيقي منها. قد لايكون اقتصاد المعرفة الحل الوحيد، لكنه عنصر أساسي من الحل وهو عنصر قابل للتنفيذ.
ماهي العناصر التي تلعب أدوار رئيسية في الـ Tech Ecosystem ؟
القوى العاملة.
المستثمرين.
السوق.
القوانين والتشريعات.
البنية التحتية للمدينة.
بالتركيز على كل عنصر من هذه العناصر، والعمل عليه بجدية ليأخذ دور فعّال في هذا الـ ecosystem سيؤدي إلى تحول حقيقي في المدينة قد نلحظه في المستقبل القريب.
كيف يمكن تحسين أوضاع القوى العاملة في مجال التكنولوجيا؟
القوى العاملة هي وقود الـ tech ecosystem في حلب، حيث العمل عليها وتطويرها وتحسين بيئة العمل سيساهم بشكل أو بآخر بتحسين وضع باقي العناصر الأخرى أيضاً، وهذه بعض الأفكار:
تمكين التقنيين من المهارات المتعلقة بشكل مباشر باختصاصاتهم، أو مهارات إضافية تساعدهم لدخول سوق العمل التقني.
تنظيم عمل التقنيين وذلك من خلال تأسيس مجتمعات تقنية تخصصية تضمن تشارك المعرفة والفرص بالإضافة إلى التحديات بين جميع التقنيين.
ربط التقنيين المحليين مع نظرائهم حول العالم، من خلال تنظيم مؤتمرات، ملتقيات وتحديات تقنية عالمية في حلب ودعوة تقنيين عالميين لزيارة المدينة وإلقاء محاضرات فيها.
وضع معايير وضوابط تضمن حماية التقني من الاستغلال وتضمن له حماية في هذه المهنة كما في المهن الأخرى، سواء عن طريق النقابات او المجتمعات التقنية الإلكترونية.
يضاف إلى ذلك، ضمان سهولة تنقل الفرد وسفره، وضمان إمكانية تفاعله مع الزبائن حول العالم وتحصيله لأرباحه بطرق سهلة، وتسهيل عملية وصول الخبراء والتقنيين العالميين إلى حلب للتحدث ومشاركة الخبرة في المؤتمرات. لكن بما أن هذه الأمور شديدة التعقيد حالياً سنتجاوزها في هذه المرحلة.
المستثمرين والشركات الكبيرة
المستثمر الحلبي عموماً قد يفضل الاستثمارات التقليدية وذات المخاطر القليلة، وهذا تحدي حقيقي يمكن تجاوزه من خلال:
جذب انتباه المستثمرين السوريين المهاجرين.
طرح مشاريع تقنية كلاسيكية، حيث يكون الربح فيها مضمون وهناك مئات التجارب عالمياً عليها.
خلق نماذج ناجحة ولو كانت صغيرة في المجال التقني، والتركيز عليها عند محاولة اقناع المستثمرين.
كما يضاف على ذلك، جذب المستثمر العربي والاجنبي أيضاً، لكن نتيجة للظروف الحالية لنتجاوز هذا البند.
القوانين والتشريعات
هذا العنصر هو العنصر الأصعب في هذا الـ ecosystem، لأنه بحاجة تغييرات بنيوية كبيرة في القوانين لدينا وهذا يحتاج إلى الوقت وإلى تبني رؤيا وطنية للانتقال إلى اقتصاد مبني على المعرفة يعزز دور الشركات الصغيرة والناشئة في الاقتصاد السوري. لكن مبدئياً:
تفعيل وتسهيل شروط تسجيل شركة الشخص الواحد.
استبدال شرط وجود مكتب بإمكانية تسجيل الشركة على عنوان المنزل أو عنوان افتراضي Virtual Office.
تخفيض رأس المال المطلوب كي يكون أكثر ملائمة للشركات الصغيرة والمتناهية بالصغر.
وضع قوانين ناظمة للتجارة الالكترونية.
تحسين قوانين حماية الفكرية بشكلها الافتراضي.
البنية التحتية التقنية للمدينة
نتيجة للحرب تعتبر البنية التحتية الحالية للتكنولوجيا في حلب متأخرة جداً وضعيفة وهنا اقصد:
الانترنت.
المصارف والعمليات المصرفية الإلكترونية.
الكهرباء.
مساحات العمل الجماعي.
تأسيس مدن صديقة للتكنولوجيا سواء بداخل المدينة أو في المدينة الصناعية.
مسرعات وحاضنات الأعمال.
وهنا أضيف تجاوزاً: المشاريع التقنية الرائدة كمثال ناجح! فمثلاً: مشاريع التسوق الإلكتروني الأساسية، التوصيل، البحث عن عقارات.. وغيرها تعتبر جزء من البنية التحتية التقنية للمدينة، حيث يمكن للكثير من المشاريع الأخرى أن تبنى عليها وتتبنى الإجراءات والعمليات التي اتبعتها هذه المشاريع البنيوية.
السوق
السوق الحلبي معروف بنشاطه الدائم، حتى في أسوء ظروف الحرب. لكن هذا النشاط نسبي، فبعض القطاعات قد تكون أكثر نشاطاً من غيرها وهنا علينا مراعاة طبيعة سوقنا، ومحاولة فهمه وتحديد المداخل الصحيحة. مازال السوق الخدمي متواضعاً في المدينة، لكنه واعد بالوقت ذاته وبإمكاننا مع الوقت التجربة ومعرفة المداخل. ويضاف إلى ذلك ضرورة التوجه إلى أسواق عالمية خصوصاً بعد موجة الهجرة الأخيرة واستقرار العديد من السوريين في أماكن متنوعة في العالم، وعليه يجب استكشاف الطلب ليس فقط في أسواقنا المحلية، واثبات وجودنا في الأسواق المجاورة.
لايمكن تحقيق ذلك بدون عمل جماعي منسجم!
تجاوزت بعض النقاط وهي نقاط أساسية، في حال كنا نريد أن نكون الوجهة الأولى علينا أن نفكر على نطاق منطقة الشرق الأوسط ككل، لكن لتعقيد الأمور حالياً، بإمكاننا العمل على النقاط الأخرى وإعداد الـ tech ecosystem في حلب ليكون جاهز ليستقطب الأعمال والقوى العاملة في المستقبل القريب.
كل نقطة من النقاط السابقة يمكن العمل عليها فردياً، مؤسساتياً، أو حكومياً. فكل منا هو لاعب في هذا الـ ecosystem وله دور جدي فيه في حال تبنى هذه الرؤيا التشاركية وأراد تحويلها إلى حقيقة. كل فعل مهما كان صغيرة له إنعكاسات على الـ ecosystem ويؤثر فيه.
جميع الأفكار هنا، هي أفكار أعمل عليها بشكل منفرد نتيجة للملاحظة، القراءة، والتجريب. وهي أفكار بحالتها الأولية بحاجة لتطوير وتشارك جماعي لتصبح رؤيا بخطة متماسكة وعمل منضبط ومنسجم. خلال السنوات الثلاثة السابقة، قمت بتأسيس Web Developers of Aleppo وهو مجتمع إلكتروني تقني يضم أكثر من 1200 عضو، يجمع التقنيين وصاحبي القرار في المدينة مخصص لتشارك المعرفة، الفرص والنقاش في أمور تخص أحوال التقنيين. كما أسست أيضاً Syriatech.org وهو تحالف للشركات التقنية السورية يهدف إلى توحيد الجهود وتعظيم دور التقنيين السوريين في المنطقة وتسليط الضوء عليهم وعلى الأعمال التي تصنع بـ حب من سوريا.
سأقوم بكتابة عدة مقالات مرتبطة بهذا الموضوع، وبالأخص للتركيز على العناصر التي ذكرتها في بداية المقال مرفقة بخطوات عملية وتجارب عالمية مشابهة على أن تكون مورد معرفي مرافق لنا طيلة فترة العمل على هذه الرؤيا.
تغذية راجعة
اتمنى عدم التردد في الاستفسار عن أي مفهوم تم ذكره في هذا التدوينة، سأكون سعيد إن شاركتموني تجربتكم وملاحظاتكم وتصويباتكم في حال وجود أخطاء كتابية.
وليد شايب، 2019 wchayeb.com
الصورة لـ: أنطون جورج مقديس
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق