عن الشركات السورية الناشئة في لبنان





دون أسامة غيّا عن الشركات الناشئة في لبنان:

قرر أحد رواد الأعمال السوريين أن ينشئ شركةً في لبنان. كان يدرك بأن ريادة الأعمال تتطلب جرأة عاليةً وتخطيطاً كبيراً لما فيها من مخاطر.
بدأ العمل على إنشاء الشركة هذه السنة، وكان مخططاً تأسيس شركة سورية – لبنانية محدودة المسؤولية.
وُضع النظام الأساسي للشركة وبدأ بعدها البحث عن بنك لوضع رأس المال والمتابعة بعدها إلى محكمة بيروت التجارية، إذ يتوجب على الشركة قيد التأسيس أن تستحصل على شهادة إيداع لرأسمالها في أحد البنوك، وعند هذه المرحلة بدأت تظهر جلياً العقبات التي أبطأت من الزمن المحدد للتأسيس.

لم يكن أبداً بالأمر الهين الاستحصال على موافقة أحد البنوك للإيداع، فجميع البنوك، وليس معظمها، كانت ترفض رفضاً قاطعاً التعاملَ مع شركةٍ أحد مؤسسيها سوريُّ الجنسية. لم أعلم بالضبط السبب الحقيقي وراء ذلك، كنا نُوَاجَهُ بعباراتٍ مثل "لا نوافق على التعامل مع شركة تقوم بهذه النشاطات" أو "إن توزيع الحصص غير عادل بين الشركاء" على الرغم من أن جميع هذه المبررات هي أمور داخلية تخص المؤسسين وحدهم، وفي غالبية الحالات كان يتم الرفض دون ذكر الأسباب أو مع عبارة "هكذا التعليمات".

لم أعلم حقاً ما طبيعة هذه التعليمات، أهي تعليمات تنفيذية لقوانين صدرت عن مصرف لبنان بشكل رسمي؟ أم لقوانين صدرت عمَّا يسمى البنك المركزي الأمريكي؟ أم تتعلق هذه التعليمات بقرارات الحظر الدولية على الشركات التي تحمل صفة "سوري" ؟
بعد ذلك، انسحب الشريك السوري من الشركة لاستحالة التأسيس، وتمت إعاة صياغة النظام لتكون شركة لبنانية، وعلى الرغم من ذلك، بقيت العقبات قائمةً أمام تأسيس الشركة، وكانت الحجة هنا بأن ليس للشركاء علاقة واضحةً تربط بينهم، علماً بأن مسؤوليات الشركاء كانت موضحة في ملفات الطلب ولكن دون جدوى، فكانت الحجج أن الشركاء ينتمون إلى مناطق مختلفة أو أن التوجهات السياسية لدى الشركاء غير متطابقة !
وأخيراً استطعنا التسجيل في أحد البنوك بعد جهد جهيد، مع أن الأمر بِرُمَّتِه لا يتطلب كل هذا العناء.

لاحقاً ومن خلال محادثاتي مع الأصدقاء خارج لبنان علمت بأن السوريون قادرون على ممارسة الأعمال في بعض الدول الأخرى بكل حرية وما يتبعه ذلك من فتح حسابات مصرفية، كتركيا ومصر، والتسهيلات التي تقدم لهم في دول أخرى مثل كندا، على سبيل المثال لا الحصر، وهنا عدت بذاكرتي إلى احتمالية أن تكون "التعليمات" في لبنان ليس لها علاقة فقط بـِ "القوانين" التي تخص السوريين. وأرى أن هذا الموضوع قابل للجدل والنقاش إلى حد كبير لما عليه من إبهام.

فالقوانين التي تخص العمالة الأجنبية واضحة لدى وزارة العمل اللبنانية، إذ يتم تقسيم الأعمال إلى فئات أولى وثانية وثالثة ورابعة وربما خامسة أيضاً، فعلى سبيل المثال الدرجة الأولى هي للمدراء العامين ومدراء الأقسام والتنفيذيين ومناصب أخرى، ويتبع ذلك شرط أن يقوم الأجنبي بإيداع مبلغ في أحد المصارف إن كان مستثمراً كما يتوجب عليه دفع رسوم سنوية، وكذلك الحال بالنسبة لبقية الفئات، فكل فئة تحدد طبيعة الأعمال وتشترط رسماً سنوياً محدداً، وعلى موقع وزارة العمل اللبنانية على الإنترنت يمكن الاطلاع على هذه التفاصيل بشكل دقيق.
والأمر مرتبط أيضاً مع "القوانين" أو "التعليمات" الناظمة لإقامة الأجانب، فبعد الحصول على تصريح العمل يتوجب استصدار إقامة مماثلة من المديرية العامة للأمن العام اللبناني، فالإقامةُ وفقاً لإجازة العمل ذي الفئة الأولى تتطلبُ رسماً سنوياً يختلف عن الإقامة للدرجة الثانية وهكذا.

فإذا كانت شروط العمل والإقامة محددةً فلماذا إذاً يتم رفض أو عرقلة العمالة الأجنبية (السورية)؟

حالياً أفكر في المسابقات التي تنظمها منظمات محلية ودولية كمنظمة جسور في لبنان، مسابقاتُ ريادة الأعمال تحديداً. هنالك عدة مسابقات تجري بشكل دوري، تختلف جوائزها بحسب مستوى المسابقة إن كان محلياً أو دولياً. أفكر بكيفية عمل الفرق الفائزة بعد أو خلال حصولهم على جوائزهم كتمويل لمشاريعهم؛ ما هو الغطاء القانوني لعملهم؟ طبعاً مع الأخذ بالاعتبار بأن الإقامات الممنوحة للأجانب يتم التأكد منها والاستقصاء على الأشخاص الممنوحة لهم تلك الإقامات بشكل دوري من قبل الجهة المعنية، فمن كان مقيماً على نظام الكفالة الشخصية مثلاً لا يمكنه العمل على مشروع ريادي دون تغيير إقامته لتصبح إقامة عمل، وما يرافق ذلك من تعقيدات ومماطلات في الإجراءات اللازمة لذلك!
برأيي الشخصي، الريادة في لبنان تحتاج إلى قوانين خاصة تحميها، لما يرافق هذه الأعمال الريادية من خدمة للمجتمع المضيف، ورافد مالي يدخل إلى خزينة الدولة من خلال الضرائب المدفوعة، وفرصةٍ لتوظيف العمالة الوطنية، ودافعاً للإبداع والمنافسة في شتى المجالات.

هل لديكم أراءً أخرى او تجارب في هذا المجال؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق