لتوسّع الجائر والمبالغ به لمدينة دمشق





كتب عمرو سالم:

لا بد من معرفة أنّ التوسّع الجائر والمبالغ به لمدينة دمشق، هو من أكبر الأخطار المحدقة بها المهدّدة لها في المستقبل البعيد والقريب ...

فموارد المدينة المائيّة، مهما فعلما أو حاولنا أن نفعل محدودة ببنبع الفيجة ونبع بردى ...

والأصل في نبع بردى أن يروي المدينة عن طريق نهر بردى وفروعه. وليس قطعه وتحويله إل الفيجة ...

لا يمكن لمدينة أن تتوسّع هذا التوسّع السرطانيّ الّذي يستهلك كلّ مواردها الطبيعيّة وبناها التحتيّة المحدودة أيضاً بسبب البناء الموجود فيها والّذي لا يتوقّع أحدٌ أن يزال من أجل التوسّع بالبنى التحتيّة ...

والحلول المجرّبة والعلميّة المناسبة، تكمن في اللجوء إلى تنمية أوسع للمحافظات بالبنى التحتيّة والترفيه وغيرها، لوقف الهجرة التي جعلت دمشق تسكن نصف سكّان سوريّة ...

لا يمكن تصوّر أنّ النشاط الاقتصاديّ النشيط الوحيد هو المقاهي والمطاعم الّذي بات يستولي على المناطق السّكنيّة الأجمل والحدائق العامّة ويخنق الطرقات وسكان الأبنية الأعلى بدخان الأراجيل والأصوات الصّاخبة والازدحام الفظيع الّذي يتّجه إلى توقّف حركة المواصلات تماماً ...

مشاريع مثل ماروتا سيتي وباسيليا وغيرها تمّت بناءٌ على دراسة مستعجلة تفتقد إلى أبسط قواعد الدراسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة ...

فهي ستنتج عدداً كبيراً من البيوت والمحلّات التجاريّة ذات الأسعار المرتفعة التي ليس لها سوق. ولا عدد كافٍ من الراغبين ...

والبنى التحتيّة المحيطة بها لا تكفي على الإطلاق لتخديمها. فإذا نظرنا إلى ماروتا سيتي، ليس لها اتّصالٌ ببقيّة مدينة دمشق إلّا عبر المتحلّق الجنوبي وشارع فايز منصور (أوتوستراد المزّة) وهما مختنقان الآن، فكيف إذا ما تمّ إنجاز كامل المشروع؟

من أين سيؤتى لتلك الأبنية الشاهقة بمياه الشّرب والكهرباء التي لا يمكن الاستغناء عنها ...

وأين سيّارات الإطفاء القادرة على الوصول إلى تلك الأبنية الشّاهقة؟؟

والأهمّ من كلّ ذلك، من أين سنأتي لها بالسكّان؟

لدينا عدد من المشاريع الفخمة في محيط دمشق مثل نوبلز وغيره، مباعة بالكامل، لكنّها فارغة من السكّان. فمشروع نوبلز مباع بالكامل ولا يوجد فيه حتّى الآن سوى ثلاثة ساكنين. وكذلك مكاتب البوابة الثّامنة وغيرها وغيرها ...

والعشب الأخضر في يعفور يستهلك مياهاً أكثر من عدد سكّان مدينة ...

منذ أن تم طرح فكرة مشروع جرّ مياه الفرات إلى دمشق، بيّنت الدّراسات، أن دمشق ستموت إذا لم تتوقّف الهجرة الدّاخليّة إليها. ولا يوقف تلك الهجرة إلّا تنمية الريف والمدن الأخرى وليس زيادة التّوسّع بدمشق ...

إنّ القدر الخلقي لدمشق أن تكون محاطة بطوقٍ أخضر هو الغوطة التي بقيت منذ بدء الخليقة إلى وجود محافظ ريف واحد قضى على معظمها في سنوات قليلة...

المهمّ والأهمّ، هو عودة الغوطة ... وكلّ الإسمنت الذي هدمته الحرب في الغوطة كان بمثابة ورم سرطانيّ شاء الله له أن يزول، فعلينا أن نعيده جنّات من فواكه وخضار ...

ومشاريع إعادة الإعمار، يجب أن تكون محصورةٌ بمعالجة السكن العشوائي والمخالفات، بحيث يأتي المستثمرون، فيبنون أبنية نظاميّة ليسكن فيها المخالفون أوّلاً، ثمّ بعد انتقالهم، تهدم المخالفات الفارغة، ويبنى بدلاً منها أبنية جميلةٌ بدل المناطق التي يجري تنظيمها الآن ...

وفي داخل دمشق، يجب أن يكون العمل الوحيد للمحافظة، هو تنظيف شوارعها وترميمها، وتنظيف أبنيتها ودعم المتهالك منها وحلّ أزمة السير فيها ...

من ينظر إلى بناء العابد في المرجة الّذي لم يشهد تنظيفاً واحداً نمذ بنائه، لو أنّه تحوّل إلى فندق من سبعة نجوم، وتمّ ترميمه لإعادته إلى أصله، لكان أفخم من أفخم فندق في العالم. ولبدا فندق خوج الخامس في باريس أو والدورف أستوريا مجرّد مسوخٍ أمامه ...

وهو أجدى وأفضل استثمارٍ من كلّ ماروتا وكلّ السيتيز التي يتمّ الإعلان عنها ...

عندما تبحث دبي عن ناطحات سحاب، فذلك لأنّ ليس لديها أبنية عريقة جاذبة ...

وعندما يتحدّث النّأس عن Land Marks كما يحبّ أصحاب ماروتا سيتي أن يتحدّثوا، فإنّ الدول العريقة تتحدّث عن قصر العدل أو اللوفر أو قوس النصر أو أو أو ...

أمّا من ليس لديه شيءٌ فيبحث عن شيء مرتفعٍ أو ملوّنٍ أو مزركشٍ ليتحدّث عنه ...

أمّأ من لديه بلد مثل سوريّة ودمشق، فقاسيونها لاند مارك، وجامعها الأمويّ لاند مارك، وكنائسها وبطركيّتها لاند ماركس وقلعتها لاند مارد وبناء العابد أفخم لاند مارك، ومحطة الحجاز وبناء عين الفيجة و أصغر حجر مكسورٍ في شارع مدحت باشا لاند مارك ...

ليست لدينا في سوريّة عقدة نقصٍ لنبحث عن أشياء نتفاخر بها فخراً زائفاً، فالفخر يسكننا ونسكنه ويمشي في عروقنا وأقنية شربنا وحاراتنا ...

شوارع دمشق وساحاتها وحدائقها ليست عبارةٌ عن ساحة أكل في أحد المولات ...

وما ينطبق على دمشق ينطبق على كلّ سوريّة ...

آن الأوان للمخطّطين أن يفيقوا أو أن يتوقّفوا عن التخطيط ....

لن يتمكّن أحد من سرقة حضارتنا أبداً ...

فهذه سوريّة وهذه الشّام ...

عمرو سالم: تزول الدّنيا قبل أن تزول الشّام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق